عهد وميثاق مدن السودان المتحدة

عهد وميثاق تأسيس جمهورية مدن السودان المتحدة من أجل استعادة وبناء السودان الحديث

( لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ )

‎نحن الموقعين أدناه، من النساء والرجال، من بنات وأبناء الشعب السوداني داخل وخارج السودان، الذين شاركوا في تفجير ثورة السلام والحرية والعدالة في ديسمبر 2018 وما تلاه من شهور، والذين ما زالوا ممسكين بمشاعل جذوة الثورة المٌتسعر ضرامها حتى تتحقق أهدافها كاملة.

 حيث ان الشعب السوداني قد جدد ثورة أكتوبر 1964 بصورة أعتى وانضج، مواكباً وحشوداً، حماساً وعاطفة.

 وحيث أن الشعب السوداني باجماعهِ الرائع قد شل تفكير حكومة الإنقاذ الفاسدة المدججة بالسلاح والمستغلة للدين لأغراض السياسة بقيادة جماعة الإخوان المسلمين حتى أجبرها على التنازل عن السلطة وتصحيحاً لمسار الثورة وصيانة لسيادة الشعب وإرادته من الإستغلال، فقد آلينا على أنفسنا تأسيس نظام ديمقراطي شعبي يرجع بالديمقراطية إلى أصلها الأصيل، بصورة تستوعب حاجاتنا المعاصرة، وتستند على قاعدة شعبية قوية، و تتأسس على نظام لامركزى يضمن فيه الشعب صيانة جميع حقوقه، على أساس نظام الإدارات المحلية في المدن المتحدة، وإيماناً بأن نجاح الثورة السلمية وبلوغها لغاياتها العليا يتوقف على إرتفاع الثوار من المجال العاطفي في المظاهرات والهتافات والاحتجاجات، إلى المجال الفكري بالدراسات العلمية والحوارات الموضوعية التي تؤمّن الثورة من الردة والانتكاسات، وتمنحها المقدرة على التطور والتجدد.

ويقيناً بأن التطور التكنولوجي الهائل، وثورة المعلومات والاتصالات الحديثة، قد خلقت واقعاً جديداً جعل الناس جيراناً، وأيسر ما يطلب من الجيران التعاون والعيش في سلام ونظام.

وعلماً بان نظام الإنقاذ قد جعل بلادنا حطاماً يصعب حمله، و تركة مثقلة تستحيل إدارتها على ذات النهج القديم وإدراكاً بأن حرب أبريل 2023 التي أشعلها ضد الشعب السوداني الأعزل حملة السلاح من مليشيا الدعم السريع والجيش السوداني وبقية الشركاء من الحركات المسلحة، وعلماً بان هذه الحرب الجائرة قد شردت ملايين المواطنين السودانيين العزل و أخرجتهم من ديارهم بعد ان تمت سرقة ممتلكاتهم مع إهانتهم وإذلالهم وجلدهم وفوق ذلك سفكت دماء الآلاف منهم في احصائية غير معلومة، وفي ذات الوقت تم حرق الأسواق والبنوك والمصانع وتدمير البنية التحتية الهشة وعلماً بأن كل هذه المآسي الأليمة الموجعة قد تمت في صمت من حكومات دول العالم بل في تواطؤ وتسليح من بعض دول العالم للدعم السريع والجيش السوداني والمليشيات الأخرى وحيث أن الموقعين على هذا العهد والميثاق حرصاً منهم على وقف هذه الحرب الجائرة غير المتكافئة ثم استعادة السودان وبنائه بناء حديثا بتجديد ثورة السلام الخالدة وصيانة إرادة الشعب السوداني، وتطويرها حتى تحقيق الحكم المدني الذي يمارس فيه الشعب السوداني السيادة كاملة غير منقوصة، ويصحح به الأخطاء ويملك به زمام الأمور ويقود بها نفسه بنفسه، متمتعاً بجميع حقوقه الأساسية في ديمقراطية حقيقية في نظام إداري غير مسبوق تحفظ به كافة الحقوق لًلجميع دون تمييز.

فقد وطد الموقعون على هذا العهد والميثاق العزم ، مصممين على العمل الدؤوب المتواصل لإكمال وتتويج ثورة السودان السلمية بإقامة جمهورية المدن السودانية المتحدة ، لتحقيق طموحات وآمال الشعب السوداني، حتى تكون جمهورية مدنه المتحدة نموذجاً لبقية دول العالم في تحقيق الحرية والسلام والعدالة والديمقراطية، وذلك بتأسيس نظام المدن المتحدة الذي يقوم على ترسيخ الديمقراطية في القواعد الشعبية إبتداءً من مستوى الأفراد الأحرار من النساء والرجال الذين يشكلون قاعدة هرم الديمقراطية الشعبية, ثم يرتفع ذلك الهرم من القواعد في تسلسل متسق يبدأ من حكومات الأحياء والقرى ثم حكومات الإدارات المحلية وتنتهي قمته في حكومات المدن ، ولا يوجد في العاصمة القومية إلا الجهاز التنسيقي الذي تنشئه وتنظمه حكومات المدن ، ويكون كل أولئك على النحو التالي:

أ) الفرد الحر: وهو كل سوداني من إمراة أو رجل، هذا الفرد يملك السلطة كاملة ويمارس السيادة دون وصاية

من أحد، ويشكل قاعدة الهرم الإداري في مكان إقامته.

هذا الفرد هو الغاية وجميع الأنظمة الإدارية والحكومية هي الوسيلة… الحكومة هنا مجرد إدارات محلية لا

تتدخل في حريات الأفراد إلا بالقدر اللازم لتنظيم وتقديم الخدمات وفقاً لأحكام الدستور.

ب) حكومة الحي أو القرية: هي أصغر وحدة إدارية، وتتكون من رئيس ومساعدين ومجلس تشريعي

ومحكمة صغرى.

تتكون حكومة القرية أو الحي عن طريق الإنتخاب العلني المباشر، وتمارس سلطاتها الإدارية الكاملة ، وفقاً

لتعليمات مجلسها التشريعي المتسقة مع أوامر الإدارات المحلية وقوانين المدينة التي تقع في دائرة اختصاصها.

وتمثل حكومة القرية أو الحي صورة مصغرة لنظام الحكم.

ج) حكومة الإدارة المحلية: وهي الوحدة الإدارية التي تتكون من مجموع سكان الأحياء أو القرى داخل حدود

المحلية المعنية. ويتم إنتخاب مدير الإدارة المحلية ونائبه بالاقتراع العلني المباشر بواسطة جميع سكان الإدارة

المحلية المعنية، ويستعين المدير بمجلس تنفيذى يضطلع بمهام الخدمات بجميع أنواعها )صحة، تعليم، بيئة، ....

الخ حسب حاجة كل إدارة وبالصورة التي يحددها القانون).

ويكون لكل إدارة محلية مجلس تشريعي يسمى المجلس التشريعي المحلي وينتخب بالاقتراع العلني المباشر،

وجهاز قضائي مستقل يشرف عليه قاضً مقيم بدرجة رئيس محكمة إبتدائية، ونيابة مستقلة، كما يكون للإدارة

المحلية قوة بوليس مدنية كافية لحفظ الأمن بالمحلية. نقترح زيادة عدد الإدارات المحلية القائمة الآن والبالغ

عددها 133 محلية، حتى تصل إلى 400 إدارة محلية، تعميقاً لمعنى المشاركة الشعبية وتوسيعاً لمواعين أدوات

حكم الشعب لنفسه بنفسه.

د) حكومة المدينة: توجد في السودان حوالي 80 مدينة تقريباً.

- تتكون كل مدينة من عدد من الإدارات المحلية بحسب حجمها وعدد سكانها.

- يكون للمدينة أجهزة تشريعية، وتنفيذية، وقضائية على نفس نمط الإدارة المحلية ، ويكون لكل مدينة حاكم ونائب يتم إنتخابهما إنتخاباً علنياً بالاقتراع المباشر بواسطة جميع سكان المدينة.

- ويكون حاكم المدينة مسؤولاً عن تنفيذ دستور السودان في الحدود الجغرافية لمدينته، يستعين الحاكم بمجلس وزراء تنفيذي لإدارة مدينته في المجالات المختلفة (التعليم، الصحة، التجارة، الصناعة الزراعة الشئون الخارجية...الخ).

- يكون للمدينة مجلس تشريعي منتخب بالاقتراع العلني المباشر يصدر القوانين وفقا لأحكام الدستور ، وتكون سارية المفعول بعد توقيع حاكم المدينة عليها.

- يكون لكل مدينة محكمة استئناف ترفع إليها أحكام محاكم الإدارات المحلية التابعة للمدينة، ويكون لكل مدينة نيابة مستقلة وقوة بوليس إحتياطية لحفظ الأمن في المدينة.

- يكون لكل مدينة بنك خاص بها ويحمل إسمها تشارك فيه حكومة المدينة والحكومة المركز التنسيقية ويساهم في تأسيسه سكان المدينة داخل وخارج السودان في إطار القانون، ويعمل البنك على على توفير الخدمات البنكية بما فيها التمويل الأصغر للمشاريع والاستثمارات الصغيرة.

- يكون للمدينة مكتب تجاري خارج السودان يعمل بالتنسيق مع السفارة السودانية في البلد المعني. وجود مكتب تجاري للمدينة في الدول الخارجية من عدمه يحدده حجم الاستثمار والتبادل التجاري.

- تعمل كل مدينة على حفظ ورعاية التراث التاريخي والآثار الواقعة في حدود اختصاصها كما تعمل على تطوير اللغات المحلية وحفظها وصيانتها.

- تحتفظ كل مدينة بسجلات سكانها والمواليد والوفيات بالتنسيق مع مصلحة الإحصاء المركزي عن طريق "الرقم المدني".

- يكون لكل مدينة أحزاب ذات برامج محلية تمارس عملها داخل المدينة فقط، ولا تتدخل في شؤون المدن الأخرى، كما لا توجد أحزاب قومية ، إذ لا يوجد مجلس تشريعي مركزي في عاصمة البلاد.

- تعمل حكومة المدينة وأحزابها على ترسيخ الحكم المدني والديمقراطية الشعبية في الإدارات المحلية والأحياء والقرى التابعة لها بالتعاون مع جميع سكان المدينة.

- تعمل حكومة المدينة على تحقيق وتطوير المعنى الأصلي للحكم المدني حتى تغدو كل مدينة (ميترو- بوليتان) عامرة زاهرة.

 هـ) حكومة المركز التنسيقية التخطيطية: كلمة المركز هنا لاتعني السلطة التقليدية القابضة، وإنما تعني مركز في عاصمة البلاد لا يعدو دورهُ سلطة التنسيق التي تضع الخطط و السياسات العامة و تجري الموازنات لمساندة إدارات المدن الضعيفة اقتصادياً، و لتحقيق فائض يكون رصيداً لحكومة المركز تدعم به البنية التحتية للقٌطر وتقيم به المشاريع الاقتصادية وتساهم به في الاستثمارات مع الشركاء الأجانب، وسوف تكون حكومة المركز التنسيقية التخطيطية مسؤولة بالتضامن مع حكام المدن عن تطبيق الدستور وضمان الرفاهية والرخاء لجميع سكان القطر، وبذلك ينفسح الطريق نحو تحقيق الحرية السياسية والمساواة الاقتصادية في آن معاً… هذا مع العلم الاكيد ان الميزانية العامة تتكون من مجموع الميزانيات التي تضعها حكومات المدن وفقاً لأحكام القانون ولا تقوم حكومة المركز إلا بتنسيق الميزانيات المعدة سلفاً…وتتكون حكومة المركز التنسيقية من:

أ. السلطة التنفيذية

ب. السلطة القضائية

ج.المجلس الاستشاري‎

- تتكون السلطة التنفيذية من رئيس الجمهورية والذي يكون مسؤولاً عن تقوية إتحاد المدن والاطمئنان على تنفيذ الخطط والسياسات والمعايير التي تضعها حكومته بالتنسيق مع حكام المدن في اجتماع سنوي بالطريقة التي يحددها القانون، ويصدر رئيس الجمهورية الأوامر اللازمة لتنفيذ الدستور بعد التشاور مع حكام المدن عن طريق الاتصال المناسب.

- تلتزم الحكومة المركز التنسيقية التخطيطية في ممارسة أعمالها بحسن إدارة التنوع، وتتعاون مع حكومات المدن في رعاية وحفظ التراث السوداني، واللغات المحلية الثرية والمتنوعة بما فيها اللغة العربية والتي يرجع أصلها إلى الهيروغليفية السودانية القديمة، وفي ذات الوقت تبذل حكومة المركز التنسيقية التخطيطية المزيد من الجهود لحفظ مواقع الآثار السودانية وتتعاون مع المنظمات الدولية ذات الصلة في حفظ وصيانة هذا التراث الانساني العظيم.

- يحدد دستور السودان سلطات وصلاحيات حكومة المركز التنسيقية التخطيطية بجميع مستوياتها التنفيذية والاستشارية والقضائية ، ويكون على رأس الدولة رئيس جمهورية ونائب ينتخبهما حكام المدن عن طريق الاقتراع العلني المباشر.

- ويكون رئيس الجمهورية مسئولاً عن أعماله أمام حكام المدن بالطريقة التي يحددها القانون ويستعين رئيس الجمهورية في أداء أعماله بمجلس وزراء يختار أعضاءه رئيس الجمهورية ويحدد القانون عدد الوزارات واختصاصات كل وزارة.

- يقوم رئيس الجمهورية بعد التشاور مع حكام المدن بإنشاء وتعيين أعضاء المجالس المتخصصة ( مجلس القضاء العالي، مجلس الخدمة المدنية، مجلس التخطيط الاقتصادي والتنمية، مجلس الآثار والثقافة، وديوان المراجع العام وأي مجالس أخرى يحددها القانون).

- تتكون الهيئة القضائية من رئيس وأعضاء المحكمة العليا والتي يكون مقرها بعاصمة البلاد ثم محاكم الاستئناف في جميع المدن ثم المحاكم الابتدائية في جميع الإدارات المحلية وقضاة المحاكم الصغرى في جميع الأحياء والقرى.

- تكون الهيئة القضائية مستقلة مالياً وإداريا ولا تخضع في أعمالها للسلطة التنفيذية ولا السلطة التشريعية وتكون أحكام القضاء نهائية ونافذة ولا تلغى إلا بطرق الطعن المقررة قانوناً.

- يقوم مجلس القضاء العالي باختيار رئيس وأعضاء المحكمة العليا ورؤساء محاكم الاستئناف حسب المؤهلات والخبرة من قائمة القانونيين الذين يتقدمون لملء لهذه المناصب.

- يصدر رئيس الجمهورية قرارات بتعيين القضاة الذين يختارهم مجلس القضاء العالي.

- يقوم رئيس المحكمة العليا بعد التشاور مع أعضاء المحكمة العليا ورؤساء محاكم الاستئناف بإنشاء ادارة المحاكم التي تكون مسؤولة عن تعيين بقية القضاة الذين يصدر رئيس الجمهورية قرارات تعيينهم.

- بعد اكتمال تعيين القضاة لجميع محاكم القطر يتم حل مجلس القضاء العالي وتؤول جميع سلطاته للمحكمة العليا التي تكون الحارس والمفسر لدستور البلاد ويتولى رئيس المحكمة العليا منصب رئيس القضاء.

- يتكون الشق الثالث من حكومة المركز التنسيقية التخطيطية من المجلس الاستشاري الذي يتكون من أعضاء تختارهم المجالس التشريعية لجميع مدن القطر، ويحدد القانون عددهم ومؤهلاتهم.

- ويصدر المجلس الاستشاري قراراته في شكل توصيات ترفع لرئيس الجمهورية وتكون سارية المفعول بعد موافقة حكام المدن عليها كل في حدود اختصاصاته الجغرافية.

- باكتمال الهرم الإداري المؤسس على قاعدة شعبية صلبة من الأفراد الأحرار من النساء والرجال وحكومات الأحياء والقرى وحكومات المدن، وحكومة المركز التنسيقية يكون قد تم تسليم القيادة للشعب ممثلاً في حوالي ثمانين قائدة / قائد للمدن، ومئات من قيادات الإدارات المحلية وعدد لا حصر له من قيادات القرى و الأحياء.

- بهذا النظام الجديد يسير الشعب السودان في طريق إنهاء الصراع حول مراكز السلطة والتنافس في القيادة، ويعود كل السودانيين نخباً وقادة.

- يلاحظ أن حكومة المركز التنسيقية لا تملك جيشاً، لا في عاصمة البلاد ولا في اي مدنية أخرى اذ ان الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع وبقية الحركات والمليشيات المسلحة سيتم حلها جميعها وفقاً للمبادئ المبينة في المذكرة التفسيرية الملحقة والتي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذا العهد والميثاق وتقرأ معه في جميع الأحوال.

- بالتوقيع على هذا العهد والميثاق يلتزم الموقعون بدعم نظام المدن المتحدة، وصيانة السلام وحماية الحقوق الأساسية ، مع العلم التام بأن السلام لا يحققه إلا من حقق السلام في نفسه، وأن الحرية لا تتحقق إلا بالمجهود الفردي ودوام السهر عليها، وقبل ذلك وفوق ذلك بفضل الله لأن الحرية هي خبر السماء ونجمها الثاقب و شهابها الراصد وقبس من نور الله العظيم وعند الله وحده نلتمس العون والتوفيق والسداد.

- يعمل الموقعون على هذا العهد والميثاق على نشره وتبيينه وتوزيعه على أوسع نطاق في جميع وسائل الإتصال المتاحة إلكترونياً أو بالإتصال الفردي المباشر، و ينتدب عدد من الأعضاء أنفسهم للعمل كناشطين متطوعين لتعميق وتوضيح نظام حكومات المدن والديمقراطية الشعبية، وتنظيم اللقاءات والندوات، وورش العمل والدورات التدريبية، والسمنارات، وغير ذلك من وسائل الإعلام والنشر والتواصل، في المنصات الإلكترونية حتى يتم تأسيس النظام الديمقراطي والحكم المدني. وغني عن البيان أن تحقيق هذه المبادئ والنظم لا يتم إلا عند وقف الحرب واستعادة السودان آمناً وحراً محايداً لا ينتمي ولا ينضم لأية منظمة عنصرية أو دينية ومن ثم يقوم بناء السودان الحديث على نظام المدن المتحدة بالتسلسل الهرمي كما هو مبين في هذا العهد والميثاق.

صدر هذا العهد والميثاق بتاريخ الفاتح من أكتوبر ٢٠٢٤


مذكرة تفسيرية بشأن عهد وميثاق تأسيس جمهورية مدن السودان المتحدة من
أجل استعادة وبناء السودان الحديث


تم ترتيب وتنسيق وإعادة صياغة هذا العهد والميثاق على ضوء الاقتراح الذي قدمه مركز دراسات التأويل للشعب السوداني تحت مسمى "عهد وميثاق الكتلة الثالثة للسلام وحماية الحقوق الأساسية" المكتوب في 20 مارس 2012 والمنشور في صحيفة الراكوبة الإلكترونية والذي تم تعديله في 14 مايو 2012 لمواكبة ما جد من أحداث.

ثم تم تعديله مرة ثانية بتاريخ 8 فبراير 2013. بعد ذلك تم نشره ملحقاً بكتاب "مدخل جديد على الأزمة السودانية" الصادر عام 2014 بقلم بدرالدين يوسف السيمت مؤسس ورئيس مركز دراسات التأويل.

ثم تم تعديله للمرة الثالثة في السابع من يوليو 2019 لمواكبة أحداث ثورة ديسمبر المجيدة. تلك الثورة السلمية التي استطاع بها الشعب السوداني الأعزل أن يقدم الدليل العملي على أن الحق هو الذي يصنع القوة، وأن السلام هو الحق الذي ينتصر على العنف دائماً وأبداً.

إن الشعب السوداني بهزيمته لحكومة الهوس الديني التي جثمت على صدره ثلاثين عاماً قد بعث أمجاد السودان الأصيلة القديمة منذ عهد كوش الزاهر وفيما قبله من عهود عظيمة. هذه الثورة السلمية قد رفعت اسم السودان عالياً خفاقاً في العالمين، سودان المدنية والقيم الرفيعة.

إن الشعب السوداني قد نجح في خلق وقيام رأي عام مستنير وإرادة شعبية قوية تتمسك بالديمقراطية والحكم المدني، وتؤمن بالحرية والسلام والعدالة، ولا تقبل الدكتاتورية بجميع أشكالها رغم تفريق مواكبها السلمية بالسلاح والرصاص الحي. رغم مجزرة فض الاعتصام التي دبرها ونفذها المجلس العسكري الانتقالي، فإن الشعب السوداني قد واصل مسيرة السلام الظافرة في إصرار عنيد، وفي بسالة وتضحية حتى تم تتويج ثورة السلام في مليونيات 30 يونيو 2019 التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان الحديث، مُحدثة بذلك صدى عميقاً وإعجاباً وتقديراً في جميع عواصم العالم.

في هذا المقام يجب أن نشير إلى أن الشعب السوداني قد هب ونهض فجأة وفجّر ثورة سلمية غير مسبوقة من غير قيادة بعينها ومن غير تخطيط ولا تنظيم مسبق، ولكن التنظيم والقيادة قد جاءت لاحقاً، تحت مسمى قوى الحرية والتغيير (قحت). أن قحت بدلاً عن العمل على تحقيق مبادئ الثورة وسماع صوت الشعب وتلبية مطالبه، قامت بالاتفاق مع المجلس العسكري الانتقالي فيما عرف بالاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية التي وقع عليها قائد الدعم السريع حميدتي والتي وصفها مركز دراسات التأويل بأنها أكبر وثيقة تضليل رسمية في تاريخ السودان الحديث.. بهذا الخطأ الشنيع، تم إهدار جميع مبادئ الثورة، وتم منح المجلس العسكري الانتقالي شرعية لا يستحقها، وصارت الإنقاذ التي قامت ضدها الثورة شريكاً في الثورة بل قائداً لها.

إن المجلس العسكري الإنتقالي لا يملك الأهلية للدخول في أي علاقة قانونية. وقد قدم مركز دراسات التأويل بيانات عديدة في الاعتراض على الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية تم نشرها وإذاعتها على الشعب السوداني في تلك الأيام الخالدة... ولذلك لم يكن غريباً أن الحكومة الانتقالية برئاسة دكتور حمدوك والتي تكونت بموجب الوثيقة الدستورية قد وقعت منذ الوهلة الأولى تحت سيطرة جيش الإنقاذ ومليشيا الدعم السريع، هكذا تم تصفية ثورة السلام تدريجياً، لا سيما أن دولة الإنقاذ العميقة ما زالت قابضة بجميع مفاتح الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، هذا فضلاً عن أنه لم تتم محاكمات حقيقية لقادة نظام الإنقاذ على جرائم خرق الدستور وجرائم الفساد ونهب المال العام لأن المحاكم ظلت تحت قبضة قضاة الإنقاذ وكذلك أجهزة النيابة والأمن والشرطة مازالت تحت إشراف نفس الزمرة الفاسدة.. ويكفي أن نقول إن المكون العسكري الذي يتولى رئاسة مجلس السيادة ويسيطر على أكثر من ثمانين في المائة من ميزانية البلاد هو اللجنة الأمنية لحكومة الإنقاذ التي قامت ضدها ثورة السلام الخالدة.

في ظل هذا الوضع المتردي تمكن قائد الدعم السريع بالتواطؤ مع البرهان من إبرام وتوقيع اتفاقية سلام جوبا في 3 أكتوبر 2020 والتي قسمت السودان إلى ست مناطق وأدخلت الوسط والشرق والشمال في مناطق الحرب و أرجأت العاصمة القومية وشمال كردفان إلى مصير مجهول.

أن الجنرالين برهان وحميدتي قد غرتهما نجاحاتهما المتوالية في تصفية ثورة الشعب حتى ظنّا أن جذوة الثورة قد انطفأت، فقام الجنرالان بتدبير وتنفيذ انقلاب عسكري في 25 أكتوبر 2021.

لقد هب الشعب السوداني مرة أخرى هبة قوية رافضاً الانقلاب العسكري فخرجت مواكبه في مظاهرات سلمية هادرة تم قمعها بالرصاص الحي بأمر قادة الانقلاب.

لقد حاول قادة الانقلاب العسكري إنقاذ الموقف الذي ورطوا أنفسهم فيه بابتداع خطة أسموها إنهاء الانقلاب العسكري. من أجل إنجاح هذه الخطة استعان برهان وحميدتي بقوم آخرين من الدول الأجنبية بتقديم الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه شركاؤهم من المدنيين والمسلحين.

هذه الخدعة الجديدة لم تجز على فطنة هذا الشعب العظيم، الذي استمرت مظاهراتهِ في مواكب سلمية فشلت السلطة في قمعها، الأمر الذي جعل الدعم السريع والجيش يشعلان حرب أبريل 2023 ضد الشعب السوداني الأعزل.

حرب السودان و أزمات السودان جزء لا يتجزأ من المشكلة العالمية

إن مشكلات العالم كثيرة ومتشعبة في شتى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية، ولكن جِماع هذه المشاكل يتلخص في عبارة واحدة هي (مشكلة السلام)...

لقد ظل البشر على طول المدى في حالة حروب متصلة، تتخللها فترات هدنة، ورد التعبير القرآني عنها بقوله: (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ)

بمجيء القرن العشرين، شهد الناس لأول مرة حرباً عالمية، أذهلهم هولها وبشاعتها فسموها الحرب الأخيرة: وأنشأوا في عام 1920 عصبة الأمم كأول منظمة حكومية دولية لدرء الحروب وتعزيز التعاون بين الشعوب، ولكن سرعان ما عادت الحرب أشد تسعيراً، فكانت الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) التي قتل فيها عشرات الملايين من المدنيين و استُعمل فيها السلاح الذري لأول مرة، مما أوقف الحرب على الفور..

من أجل تجنب ويلات الحروب أنشئت منظمة الأمم المتحدة في أكتوبر من عام 1945 وقد جاء في مطلع ديباجة ميثاقها ما يلي:

(نحن شعوب الأمم المتحدة قد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدماً، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح. وفي سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح، وأن نعيش معاً في سلام وحسن جوار.)

لا شك أنها غايات سامية، بذلت المنظمة العظيمة جهوداً مقدرة لتحقيقها بشتى الوسائل الدبلوماسية والمعاهدات والبروتوكولات، و انتهجت كل الطرق السياسية والقانونية المتاحة، ولكن الحروب لم تقف بل انتشرت في كل أركان الدنيا، حتى وقفت البشرية في طريق مسدود في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين..

السؤال الذي يطرح نفسه على التو، لماذا عجزنا نحن البشر على تحقيق السلام في الأرض؟ الجواب، أننا نحاول بالوسائل القديمة حل أزمة غير مسبوقة! إذا كانت الأزمة غير مسبوقة، فإن الحل يجب أن يكون غير مسبوق.

لماذا هي أزمة غير مسبوقة؟

لقد كانت الحروب القديمة مدمرة ولكنها محدودة يمكن معالجة آثارها بشتى الوسائل.. أما الآن، فقد أصبح البشر قادرين لأول مرة على إفناء الحياة على ظهر كوكب الأرض، ذلك أن الحرب الذرية الحديثة إذا نشبت، فلن يكون فيها منهزم ومنتصر وسيكون الفناء مصير الجميع.

هذا يعني فيما يعني مراجعة فكرة الدول القومية التي يقوم عليها النظام الدولي الراهن..

إن الدول القومية هي سبب الحروب بجيوشها التي تبرر قتل الإنسان لأخيه الإنسان باسم الدفاع عن الوطن.. هذه الدول القومية وجيوشها التي تتصارع و تتفانى لتحمي سيادتها وحدودها، أصبحت عديمة الجدوى لدخول السلاح الذري في المسرح.

بالإضافة لتبرير سفك الدماء باسم الدفاع عن الدول القومية، لقد شهد القرن العشرين لأول مرة في تاريخ البشر تبريراً أيديولوجياً وفكرياً لسفك الدماء، فقامت روسيا وكل دول الكتلة الشرقية بما في ذلك الصين على تبرير القتل من أجل فكرة الاشتراكية.

مما زاد الطين بلة قيام الدولة النازية في ألمانيا والدولة الفاشية في إيطاليا على تبرير سفك الدماء لأسباب عنصرية.

مما زاد الأمر سوءاً على سوء انتشار الحركات الإسلامية المسلحة في القرن العشرين والتي تبرر سفك الدماء باسم الدين والعقيدة، وقد نجحت طائفة الشيعة في إقامة دولة إيران على أساس العنف وإنكار حقوق الإنسان، وكذلك نجح الإخوان المسلمون في إقامة دولة الإنقاذ في السودان على أساس سفك الدماء والانقلاب العسكري، وكذلك نجحت حركة طالبان في أفغانستان على إقامة دولتها بذات العنف.. وفوق هذا وذاك مازالت الحركات الإسلامية التي تبرر سفك الدماء منتشرة في كل أصقاع الدنيا: ابتداءً من حماس وحزب الله والحوثيون وعصائب أهل الحق وانتهاءً بداعش وبوكو حرام وشباب الصومال.

من الجانب الآخر، فإن القفزة العلمية التي بدأت في القرن العشرين بانفلاق نواة الذرة المادية، و انتهت بغزو الفضاء و استنساخ الحيوانات العليا، قد تم تتويجها في القرن الحادي والعشرين بتطورات مذهلة في مجالات التقنية الرقمية والهواتف الذكية والذكاء الاصطناعي، حتى أصبح العالم كله قرية واحدة.

هذا الوضع الجديد كل الجدة جعل السلام حاجة حياة أو موت.

بالإضافة إلى هذا وذاك فإن التغير المناخي والتلوث البيئي الذي أفرزته الثورة التكنولوجية يقتضيان تفكيراً جديداً وأنظمة إدارية متطورة تختلف عن الدولة القومية القابضة ذات السيادة.

أن دخول جيش الولايات المتحدة للعراق دون تفويض من مجلس الأمن قد قضى على فكرة الدول القومية ذات السيادة دون تمييز بين القوي والضعيف.

كما أن غزو روسيا لأوكرانيا قد هدم أسس القانون الدولي... لذلك لم يكن مستغرباً وقوف الأمم المتحدة موقف المتفرج حيال الكثير من الأزمات العالمية وخصوصاً الأزمة السودانية.

الحل غير المسبوق، ما هو؟

إن الحل غير المسبوق الذي يقترحه مركز دراسات التأويل هو أن يسير السودان في طريق غير مطروق بأن يبدأ كل واحد منا بتحقيق السلام في نفسه على النحو المبين في الكثير من الرسائل والكتب والمقالات الصادرة عن مركز دراسات التأويل، وقد يظن ظان أن هذا طريق طويل، على العكس إنه أقصر الطرق إذ أنه موجة واحدة تتسع كل يوم، ويمكن الحوار حول ذلك في مجاله.

أما على الصعيد الجماعي فقد اقترح المركز منذ عام 2012 قيام الكتلة الثالثة لحماية الحقوق الأساسية وانتقال الدولة السودانية من السلطة المركزية القابضة إلى مجرد إدارات محلية بدون جيش:

بعد قيام الحرب السودانية في أبريل 2023 والتي دمرت الدولة السودانية فإن إلغاء الجيش السوداني والدعم السريع وبقية المليشيات أصبح حاجة حياة أو موت بالنسبة للسودانيين، لا سيما أن وزر هذه الحرب قد وقع على الأغلبية الصامتة من المواطنين المدنيين العزل الذين يشكلون 90% من السكان بينما لا يشكل المسلحون 10% على أعلى تقدير.

إن الجيش المهني بالمعنى القائم في دول المدنية الغربية ليس مطلوباً، لما فيه من إهدار لقيمة حياة الأفراد ولبقية الأسباب المنوه عنها سلفاً:

فما بالك بالجيش السوداني الذي لم يدافع عن حدود السودان في أي وقت بل كان سلاحه موجهاً لصدور الشعب السوداني منذ عهد انقلاب نوفمبر 1958 و انقلاب مايو 1969: ثم صار الجيش السوداني مؤسسة اقتصادية وجماعة دينية وأداة قمع وقتل للمواطنين السودانيين العزل منذ قيام الإخوان المسلمون بانقلابهم العسكري في يونيو 1989 وحتى يومنا هذا.

إن الجيش السوداني والدعم السريع هما فريق واحد ضد الشعب السوداني الأعزل...

استناداً على كل ما تقدم فإن نهوض عدد من السودانيين بالدعوة إلى إلغاء الجيش السوداني والدعم السريع والحركات المسلحة واستبدالهم بنظام الإدارات المحلية في المدن ذات الاستقلال المالي والإداري مسألة عملية وصحيحة بل إنها الطريق الوحيد لرفع الظلم الواقع على ملايين السودانيين بالتهجير القسري والإبادة الجماعية بالقتل وكذلك بالمرض و بالجوع.

يعتمد هذا النظام الجديد المقترح على حكومات المدن التي تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، والذي لا يعدو دور الحكومة المركزية فيه دور المنسق، والممثل للبلاد لدى الدول الأجنبية والمحافل الدولية.

يتطلب النظام الجديد إلغاء نظام الولايات والولاة والمعتمدين، وما فيه من إيحاء بسيادة الحكومة على الشعب، إذ أن كلمة الوالي مستمدة من عصور الظلام حيث كان الحاكم هو السيد، فضلاً عن أن نظام الولايات وما فيه من تكريس للسلطة في إقليم واسع يمهد لحكم القبيلة وتفشي العنصرية، ومن الجانب الآخر فإن نظام المدن المتحدة نظام حكم مدني أساسه المواطن الفرد، ويكون الانتماء فيه لمكان الإقامة بصرف النظر عن العنصر أو اللون أو الدين أو أي سبب آخر.

إن النظام الذي نقترحهُ هو نظام ديمقراطي بمعنى الكلمة، ذلك بأن الديمقراطية (التي تعني "حكم الشعب" باللغتين الإغريقية والعربية) والتي نشأت في بلاد الإغريق قد توكأت على حضارة وادي النيل، وبخاصة الحضارة السودانية القديمة، التي قامت على مبدأ الديمقراطية المباشرة والسيادة الشعبية في المدن المستقلة مثل كرمة ونبتة و دنقلا ومروي وسوبا، ثم ظلت الديمقراطية تنمو حتى تطورت في العصر الحديث إلى الأنظمة الديمقراطية غير المباشرة القائمة الآن حيث يمارس الشعب السيادة بواسطة ممثليه المنتخبين.

في هذا النظام المقترح تعمل حكومة المدينة على تحقيق وتطوير المعنى الأصلي للحكم المدني حتى تغدو كل مدينة (ميترو-بوليتان) عامرة زاهرة، وترجع كلمة ميتروبوليتان إلى أصلها الإغريقي المكون من شقين: "ميتيرا" وتعني "أم"، و"بولي Poli" وتعني "مدينة"، وذلك يعني أن المدينة هي "الأم" لما حولها وما فيها من إدارات محلية وأحياء وقرى فكأنها المدينة هي أم القرى المذكورة في القرآن. ومن كلمة "بولي Poli" اشتقت كلمة بوليس وكلمة "Policy" التي تعني "السياسة الإدارية" و"بوليتيكس Politics" والتي تعني "السياسة" و"بولايت Polite" والتي تعني التهذيب والأدب. إذن ظلال الكلمة تؤكد معنى الحكم المدني في السياسة والإدارة والأمن، وهذا هو السبب في أننا استبدلنا كلمة "شرطي" بكلمة "بوليس"، لأن كلمة بوليس متصلة بمعنى الحكم المدني، بينما كلمة شرطي مشتقة من الاشتراط والتعسف الذي كان ديدن قوات الأمن في عهود الظلام كعهد الإنقاذ.

من أجل تأسيس وبناء هذا النظام والمحافظة عليه وصيانته وتطويره يتحتم الالتزام بالمبادئ التالية :

- أولاً: نشر الوعي والثقافة السلمية الصحيحة التي تنير الطريق نحو تحريم سفك الدماء، وشجب الحرب بجميع أنواعها، مهما كانت أسبابها ومبرراتها ويشمل ذلك تحريم الحرب الدفاعية.

- ثانياً: تبصير أفراد الشعب السوداني بأن كل فرد منهم هو غاية في ذاته، ويجب عليه أن يرفض استغلاله ضابطاً أو جندياً أو أداة من أدوات الحرب، أو عبداً لزعماء الطائفية وقادة الحركات الدينية أو القبلية وميليشياتها المسلحة التي تجعل الأفراد سلعة تباع وتشترى في سوق الارتزاق.

- ثالثاً: التمسك بالحقوق الأساسية واجب كل فرد، وتتمثل الحقوق الأساسية في حق الحياة وما يتفرع عنه من حقوق اقتصادية تتمثل في جملتها في العدل والمساواة والضمان الاجتماعي، وحق الحرية وما يتفرع عنه من حقوق تتمثل في جملتها في حرية العقيدة والفكر والتعبير والتنظيم. وجميع هذه الحقوق منصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمرفق بعهد وميثاق مدن السودان المتحدة ومذكرته التفسيرية، والذي يعتبر جزءاً لا يتجزأ منهما ويقرأ معهما في جميع الأحوال.

- الجدير بالذكر أن ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 1948 قد أثبتت في صدرها مبادئ ثورة السودان السلمية "حرية سلام وعدالة"!

- رابعاً: الحكومة خادمة الشعب، ويجب أن تُسخر جميع أجهزتها لحفظ أمن المواطن وليس لقتله وسفك دمه في الحروب، كما تُسخر جميع أجهزة الدولة لرخاء المواطن وتوفير فرص العيش الكريم له.

- خامساً: فصل الدين عن الدولة، لأن دولة الحكم المدني تقوم بواجباتها الأساسية في تنظيم وإدارة الشؤون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية دون تمييز بين المواطنين بسبب الدين أو العنصر أو الجنس، أما الدين فيعمل في مجال آخر أعظم وأسمى من المجال الذي تعمل فيه الدولة، إذ أن الدين علاقة بين الخالق والمخلوق ومُثل نورانية ومباحث روحية تقوم على الدراسة والتعليم الذاتي والتعبد والتدبر والتفكر وتنعكس على الأخلاق والقيم بصورة فردية تتسامى على التورط في تسبيب الأذى للجماعة.

- سادساً: العمل الجاد والمخلص شعباً وحكومة من أجل إشاعة وتطبيق وتنفيذ المادة (3) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المتعلقة بحق الحرية والمواد الأخرى المفصلة لحق الحرية.

- سابعاً: العمل الجاد والمخلص شعباً وحكومة من أجل إشاعة وتطبيق المادة (5) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمتعلقة بعدم تعريض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة، وهذا يعني إبطال جميع القوانين المهينة والمذلة للإنسان مثل الجلد، وقطع اليد، وقطع اليد والرجل من خلاف، والصلب، والنفي من الأرض (الذي يتعارض مع مبدأ الحكم المدني واستقلال المدن) والإعدام شنقاً أو رمياً بالرصاص أو بأي وسيلة، مع الإبقاء على العقوبات المقيدة للحرية كالسجن والعقوبات المالية والغرامات.

- ثامناً: مواصلة توعية الشعب وتنويره بتطبيق وتنفيذ المادة (18) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمتعلقة بحرية التفكير والضمير والدين وهذا يعني إبطال حد الردة المثبت في قانون عقوبات السودان أو في الشريعة الإسلامية التي تعتبر من مصادر التشريع في الدستور الحالي.

- تاسعاً: العمل الجاد والمخلص حكومة وشعباً لتنفيذ وتطبيق جميع مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المتعلقة بالمساواة بين بني البشر، وهذا يعني رفع الوصاية عن النساء و إبطال جميع القوانين التي تميز بين النساء والرجال.

- عاشراً: تعميق الثورة السلمية بنشر ثقافة السلام وتحقيق السلام بوسيلة السلام، مع نبذ العنف بكل صوره وألوانه.

الكيفية العملية لتحقيق المبادئ المذكورة:

من أجل استكمال تحقيق المبادئ المذكورة، وإقامة الحكم الصالح في المُدن السودانية المستقلة، لابد من إجراء ترتيبات أمنية شاملة، وتصفية كاملة ونهائية لجميع بقايا آثار الإنقاذ، واقتلاعها من جذورها الفكرية ومن قواعدها الشعبية: علماً بأن تصفية نظام الإنقاذ ليس غاية في ذاته، وإنما هو وسيلة ضرورية لبناء العهد الجديد على أنقاض العهد القديم، ويتحقق ذلك باتخاذ التدابير التالية:

1. مواصلة السير في الثورة السلمية وابتداع الوسائل الملائمة في كل وقت حتى تتم تصفية الإنقاذ واقتلاعها من جذورها الفكرية والجهادية.

الاستغناء عن الجيش السوداني وحله وحل مليشيا الدعم السريع وجميع الحركات المسلحة، في سائر أنحاء البلاد وفقاً لترتيبات أمنية وسياسية تُعالج قضايا نزع السلاح وأسباب الحرب، وكيفية إشراك الجنود المقاتلين واستيعابهم في الإدارات المدنية حسب الرغبة والكفاءة،

وتشمل الترتيبات حفظ جميع الحقوق وتنفيذ تعويضات شاملة للمتضررين والنازحين وضحايا الحرب وآثار ما بعد الحرب، وتتم المصالحات والتسويات وجميع الحقوق أمام المحاكم المستقلة المحايدة.

وغني عن البيان أن هذه الترتيبات لن تنجح على وجهها الأكمل إلا إذا بذلنا المجهودات ليلاً ونهاراً لنشر الثقافة الصحيحة التي تمجد الإنسان وتعتبره غاية في ذاته حتى لا يكون جندياً يموت من أجل تراب هو أكرم منه بما لا يقاس... وهذا يقتضي إشراك الجميع في العملية السياسية دون تمييز أو قيود إلا قيوداً يضعها القانون على الذين تثبت عليهم جرائم مخلة بالشرف أو الذين دبروا ونفذوا انقلاب يونيو 1989 وما تلاه من المجازر التي ارتكبت منذ 11 أبريل ثم 8 و13 رمضان و3 يونيو و30 يونيو 2019 في العاصمة وجميع مدن السودان الأخرى حتى تاريخه ويشمل ذلك الانتهاكات وجرائم السرقة والنهب التي تم ارتكابها في حرب أبريل 2023، وتقديمهم للمحاكمات العادلة مع تشجيع أصحاب الشأن للعفو والتنازل والصلح.

ملاحقة أموال الشركات والأفراد النافذين من الإنقاذ داخل وخارج البلاد واسترداد المال العام المنهوب. تقوم حكومات المدن بحفظ الأمن العام وتعطي أهمية قصوى لحفظ نفوس المواطنين وأموالهم حتى لا يقع فراغ أمني عند حل الجيش ومليشيا الدعم السريع والحركات المسلحة وبقية المليشيات.

تكون قوات البوليس الجهة الوحيدة المسؤولة عن الأمن تحت إشراف حكام المدن وتستخدم المدن من قوات البوليس حرساً لمراقبة الحدود والسواحل حسب موقع كل مدينة، وتظل حكومة المركز التنسيقية التخطيطية مسؤولة عن حفظ وصيانة ورعاية العلاقة الودية الطيبة والمنافع المتبادلة مع دول الجوار وتوقيع اتفاقيات عدم الاعتداء معهم وفي حالة فشل ذلك اللجوء للتحكيم والقانون الدولي لتسوية الخلافات ودياً.


انسحاب السودان من جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي مع حفظ العلاقة الطيبة مع دول الجامعة و دول المنظمة.

إن مقترح جمهورية المدن المتحدة يعالج بإدارته المحلية أنظمة الحكم في السودان، والتي جعلت من الحكم وسيلة لتكريس السلطة والثروة في أيدي قلة، وهو الأمر الذي عمق الصراع حول السلطة، ومهد الطريق للهيمنة الطائفية، والصراعات الجهوية والقبلية والعنصرية، والانقلابات العسكرية وسفك الدماء والفساد في الأرض حتى انتهى بنا في حرب أبريل المدمرة التي أهلكت الحرث والنسل.

إذا أخذ الشعب السوداني بعهد وميثاق مدن السودان المتحدة، وعمل على تحقيق مبادئ الحرية والسلام والعدالة بوضع السلطة في يد الشعب، وعلى ترسيخ الممارسة الديمقراطية عبر إشراك كافة مواطني الدولة في كل مستويات الحكم من أدناها إلى أعلاها كما هو مبيّن سلفاً، فإن الشعب السوداني سيكون نموذجاً ومثالاً هادياً لشعوب العالم قاطبة لحل مشاكلها والتي جماعها في عبارة واحدة هي مشكلة السلام.

إن أصحاب المصلحة الحقيقية في كل قطر من أقطار العالم هم إنسان الشارع المغمور... نظام الإدارات المحلية يجعل إنسان الشارع العادي مشاركاً مشاركة فعلية وعلنية في إدارة كافة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية... بهذا الصنيع، ستتحقق عملياً مبادئ الثورة السلمية، وتنتقل مظاهرات الشوارع للبيوت والأحياء والقرى ثم تتوج بحكومات المدن... على هدي أساس القواعد الشعبية المدنية يمكن أن تتضافر الجهود بالعمل الفردي والجماعي لمحو مظاهر الفساد، والتمييز على أسس إثنية أو جهوية أو دينية أو أي سبب آخر.

والله يقول الحق وهو يهدي السبيل

بدر الدين يوسف السيمت

مركز دراسات التأويل

الفاتح من أكتوبر 2024

© 2019 Worlds Collide. All rights reserved.
Powered by Webnode
Create your website for free!